ما وراء العدوانية عند الأطفال

من وجهة نظر استثنائية انا اليوم اريد أن احدثكم حول ما وراء العدوانية عند الأطفال، بطريقة ستجعلك تقف وتفكر، فلو سألنا أي أب أو أم هل تحبون أبناءكم، وهل ترون أنهم اشخاص مميزين ولا يتكررون، حينها سيجب معظمهم بنعم.
وفي الحقيقة يرى الأهل أبناءهم بعين المحبة والاستثناء ولكنهم لا يظهرون لهم ذلك، حيث ينطلق البعض من العادات والتقاليد والبعض الآخر بسبب عدم الانتباه أو الوعي بأهمية تعزيز المحبة.
انظر الآن إلى نفسك وتأمل الحياة من منا لا يرغب بأن يكون محبوباً ومرغوباً من قبل من هم حوله على الرغم من أننا لسنا بحاجة إليهم مادياً او واقعياً كما الأطفال، فكيف سيكون الحال لطفل لا يستطيع فعل أي شيء دون والديه.
الحب المشروط وآثاره على التربية ونفسية وسلوك الطفل وما وراء العدوانية التي يبدها الطفل تجديداً في هذا الخصوص سيكون كلامنا في السطور القادمة.
ما وراء العدوانية عند الأطفال
دعونا نحلل الأمر ونبسطه بدون مصطلحات ودراسات، فقط من باب واقعي، وأول مؤثر على شخصية الطفل ومسبب للعدوانية هو:
1. الحب المشروط
لنتحدث عن السبب ما وراء العدوانية عند الأطفال دعونا ننظر إلى هذه الحادثة الغريبة التي تكشف الكثير والكثير عن عالم الأطفال.
يوماً ما وفي إحدى المدن اجتاح المدينة مرض معدٍ، وأصاب دار الأيتام، فمرض عدد كبير جداً من الأطفال واضطروا لنقلهم إلى المستشفى.
كان هذا المرض متعب ولكنه ليس مميت بالفعل، وقد مكث هؤلاء الأطفال فترة طويل من الزمن إلى أن بدأ الموت يفتك بهم.
وعلى الرغم من أن جميع الأطفال بدون استثناء قد تلقوا رعاية طبية فائقة في المستشفى إلا أن أحوالهم لم تتحسن، باستثناء طفل وحيد بدأ يتماثل إلى الشفاء.
تعجب الجميع من حال هذا الطفل المعاكس لأحوال أقرانه، وقرر الطبيب البحث في أمر لمعرفة السبب.
فبدأ الطبيب بمراقبة الطفل الذي لم يتبق سواه تقريباً في مخدع الأطفال، ويوماً ما بينما كان الطبيب متجهاً إلى غرفة الطفل للاطمئنان عليه لفته دخول عامة النظافة إلى الغرفة مسرعةً، فبدأ يراقبها.
قامت السيدة بعملها ونظفت الغرفة، ثم توجهت إلى الحمام وغسلت يديها وعادة إلى سرير الطفل، بينما الطفل يراقبها، ثم حملت الطفل وجالت به أنحاء الغرفة وهي تحتضنه وتعانقه وتغني له.
كان وجه الطفل بين يديها باسماً سعيداً على العمس تماماً من حاله وحال أصدقائه الآخرين، ثم جلست السيدة على حافة التخت وبدأت تتداعب شعر الطفل وتهدهد له حتى استغرق في النوم.
استحوذ هذا الموقف على اهتمام الطبيب فأصبح كل ليلة ينتظر ليرى ما سيحصل، وكانت السيدة تأتي في كل ليلة إلى الصغير وتقوم بمداعبته وقص القصص عليه، وقد انتبه الطبيب إلى أن هذا الطفل لا ينام بس ينتظرها دائماً.
كما لاحظ أنها لا تتحدث أو تقترب من أحد غيره من الأطفال في باقي الأسرّة، وبهذا اكتشف الطبيب أن السر وراء تحسن صحة هذا الطفل دون غيره وبالطبع فالسبب هو المحبة.
في حقيقة الأمر الانسان كائن معقد ويحتاج لحاضن ومعيل، فبينما يمشي صغر الحصان بعد ساعة من ولادته ويقف صغير الغزال بعد ولادته مباشرة ويجري نحو أمه، ثم ينفصل عنها بعد عدة شهور ليبدأ حياة مستقلة.
يقضي طفل الإنسان أكثر من سنة ليمشي ويحتاج ثمانية عشر سنة ليصبح قادراً فعلاً على الاستقلالية والاعتماد على ذاته.
هذا يفسر لنا سبب تأثر الطفل بالمحبة والاهتمام بأن يشعر أنه محبوب ومرغوب ولا يعوض وأن يشعر أنه في مأمن مع من لا يستغني عنه أبداً ولا يخذله، وفي البداية دعونا نعرف المحبة المشروطة:
الحب المشروط هو طريقة في التربية يعتمدها بعض الأهل في معاملة أبنائهم، تجعل محبتهم لأبنائهم مرهونة بتصرفات الطفل ومدى رضى الأهل عن هذه التصرفات.
وهنا يمكننا بسهوة أن ندرك أن الطفل مهدد دائماً بعدم الحب، وبالتالي مهدد أيضاً بعدم العناية والرعاية والاهتمام.
أي أن الطفل يعيش حالة دائمة من التوتر والغضب والضغط بأنه قد يصبح في لحظة وحيداً، وخاصة أن قدرة الطفل على المحافظة على رضى أهله ومعرفته بما يرضيهم دائماً أمر مستحل.
ولكن متى تبدأ العدوانية عند الأطفال بالظهور، هنا يكمن السؤال، فالفطرة السليمة للطفل تعني البدء باكتشاف العالم من خلال النظر والعبث والتخريب واللمس واشباع حالة الفضول التي يراها الأهل إزعاج أحياناً.
هنا تبدأ المشكلة، حيث يصبح الطفل ضائعاً بين فطرته التي تنزع إلى الاستكشاف من أجل النمو والتجربة من أجل الفهم وتطوير المهارات والعناد والرفض من أجل الاستقلالية، كل هذا يهدد أمان الطفل واحساسه بالمحبة والقبول.
ونتيجة لذلك يصبح الطفل أميل للعدوانية للدفاع عن نفسه، وتبدأ حالة العدوانية والعصبية وصعوبة المعاملة بين عمر السنة والنصف إلى السنتين.
حيث نجد عدد من الأهل يتساءلون عن كيفية التعامل مع الطفل العدواني في عمر سنتين، للأسف فالجواب هو أحبيه بطريقة غير مشروطة.
وقد يهمك معرفة: ما المقصود بمرحلة الطفولة المبكرة.
2. عدم القدرة على ضبط الانفعالات
تثبت كافة الدراسات والبحوث العلمية أن الغضب شعور فطري، ولكن التعبير عن الغضب سلوك مكتسب، وبالتالي فإن كنت كأب أو أم غير قادر على ضبط انفعالاتك والتحكم بالسلوك الذي تقوم به لحظة الغضب فالعدوانية والصراخ وردود الأفعال العنيفة التي يبديها طفلك أمر طبيعي.
يؤسفني حين أرى الآباء والأمهات غير قادرين على فهم ما يشعرون به، وغير واعين بما يفعلونه، فكيف ينتظرون من طفلهم تصرف مختلف لا أعلم.
عليك يا سيدتي وأنت يا سيدي أن تراقب مشاعرك، وتفهم نفسك فأنت الآن كمربي مسؤوليتك أكبر بكثير ان كنت تنوي تربية طفل متوازن نفسياً وجسدياً أنت بحاجة لضبط نفسك.
فإن كنتم لا تتقنون هذا تعالوا معي اساعدكم لتفهموا نفسكم وتربوا اطفالكم بطريقة مثالية في آن واحد، أولاً عليك أن تتعلم كيفية ضبط انفعالك.
عندما تواجه موقفاً يجعلك غاضباً قف وخذ وقتاً قصيراً مع نفسك، قل لطفلك أنا أشعر بالغضب وهنا أنت تدرب الطفل على معرفة ما يحس به ويسمي الشعور الذي ينتاب.
ثم خذ وقتاً وفكر ما الذي جعلني أغضب، وناقش الأمر مع نفسك ولا تبدي أي رد فعل غير محسوب قبل التفكير، وبالضبط تعامل مع طفلك، انزل الى مستواه وتجاهل سلوكه تماماً ولا تنتظر أن تأخذ قيمتك من تعامل طفل أو أن تضع نفسك في حالة ندية معه.
فقط اطلب منه أن يراقب احساسه وستنفس ثم اسأله ما هو الشيء الذي جعلك غاضباً، بالطبع نحن نتحدث عن طفل قد يكون في عمر سنة ونصف أو سنتين أو ثلاث، وسيكون رده بمستوى عمره، غالباً سيلجأ طفل السنة والنصف للحضن ولن يستطيع التعبير.
بينما سيكابر طفل السنتين الذي ينزع للاستقلال وسيحاول بكلماته الساذجة وصف شعوره والدفاع عن موقفه، وطفل الثلاث سنوات أصبح أكثر تفاعلاً موقفاً بعد موقف.
الفكرة ليست بتصرف الطفل، وإنما بما زرعته من هذا السلوك، أولاً علمت الطفل بالتقليد والأفعال كيفية التعامل مع المشاعر الثقيلة والمزعجة التي على رأسها الغضب والتوتر.
ثانياً جعلته يكبر وهو أكثر وعياً بشعوره، ثالثاً أرشدته إلى الطريقة التي يتعامل بها مع مشاعره ليتخلص منها، يمكنك أن توجه الطفل بعد هذا الموقف.
إما بالتوجيه وإعطاء الخيارات التي ستفرح طفل السنتين والثلاث عموماً كأن تقول للطفل اغسل وجهك واشرب الماء لتشعر بالتحسن، أو قل له اشرب الماء، واستلقي قليلاً وتنفس.
أعطي طفلك حلول بديلة لتعبير عن حالته الثقيلة التي لا يستطيع حملها، هكذا ستتجنب حالة العدوانية الغير مبررة، ومن المهم الابتعاد عن تسمية شعور الغيرة، لأن التعامل مع الغيرة مختلف تماماً.
اقرأ أيضاً: مخاطر ارتفاع درجة الحرارة عند الأطفال.
3. دافع الغيرة
الغيرة شعور طبيعي جداً جداً وأساسي، ويجب أن تعرفوا أصدقائي أنه نفسياً من الصعب وجود أخوة دون غيرة، ولكن التعامل معها هو ما سيجعلها امر طبيعي ويمكن تداركه أو أمر لا يطاق ويترك آثار سلبية لدى الطفل ويعكر جو المنزل.
بدايةً لنتفق على أن الغيرة شعور فطري أيضاً، وغريزي عند الطفل، حيث يولد الطفل وهو يعتبر أنه محور اهتمام والديه، وأساس حياتهم، فماذا لو اتى أحدهم وسلب الطفل ما يملكه.
فقط تخيل أنك ملك العرش والمكان، ثم اتى احدهم من الباب وسحب من تحت قدميك كل ما لديك، هكذا بالضبط يشعر الطفل.
لذا يجب على الأهل المحافظة على التوازن بتقديم الرعاية والحب والتعبير عن الاهتمام والمحبة لفظاً وفعلاً للطفل لتجنب التعامل العصبي والعدائي.
لا تصرخ على الطفل بل احتضنه، حاول تقريب المسافات بينه وبين أخيه، ضعه جانباً واقضي وقتاً مع طفلك الأكبر على حدى، وفي هذه المرحلة لا بد من تعاون الأم والأب، أو وجود شخص أخر في حال غياب الأب، لأن الأم وحدها لن تستطيع إدارة الموضوع.
ويختفي ما وراء العدوانية عند الأطفال أيضاً لفت النظر بدافع الغيرة، حيث يشعر الطفل بأنه بحاجة ان يُرى، خاصة إن صادف وجود المولود الجديد عمر السنتين.
ستجد الطفل يحاول الاستحواذ على اهتمامك بشتى الطرق، وهنا يبرز دورك كمربي، بأن تعزز سلوكه الجيد على حساب السلوك العدواني وتحاول أن تتجاهل قدر الإمكان السلوكيات التي تزعجك أو لا تحبها في تصرفات طفلك.
حيث أثبت الدراسات أن أفضل طرق التربية الحديثة والصحيحة هي استخدام المعززات، وبصفتي اخصائية تربوية أرى أن استخدام المعزز يجب ان يكون بوعي.
حيث يحاول بعض الأمهات أو الآباء ابتزاز الطفل بالمعزز، ولكثرة التفاصيل حول هذا الموضوع، سأقدم لكم مقالاً مفصلاً يفسر كل التفاصيل.
ولكن تذكر دائماً كل ما تركز عليه يزداد ويتبلور، وكل ما تتجاهل يختفي تدريجياً، فقط تحتاج بعض الصبر والتحكم بالانفعال، ولا تتوقع أن الضغط والعصبية والجبر في هذه الحالة قد يعطي نتيجة، بل على العكس فهو يزيد من تفاقم الأمور.
أعتقد الآن أن الجميع أصبح يمتلك نظرة أخرى لما وراء العدوانية عند الأطفال، وتختلف الحالة من طفل لآخر، ولكن تذكر دائماً أن الطفل لا يملك نوايا سيئة ضدك وإنما يحاول تحقيق توازنه الداخلي، واكتشاف الحياة لينمو.
الأسئلة الشائعة
من أهم الأسئلة الواردة حول موضوعنا اليوم ما وراء العدوانية عند الأطفال:
كيف أتمكن من تعديل سلوك الطفل العدواني؟
- استخدام المعززات، بالإضاءة على التصرفات الجيدة التي تريدها.
- تعليم الطفل كيفية التعبير عن شعوره.
- قضاء وقت خاص مع الطفل والقيام بنشاطات تفريغ.
- تحفيز الطفل ومدحه.
- احتضان الطفل والتعبير عن المحبة تجاهه.
- الاصغاء للطفل ومنع تراكم المواقف والغضب.
ما هي أنواع العدوان الأربعة عند الأطفال؟
- العدوانية العرضية، وهي مجرد سلوك أو حادث عابر في وقت ما له سبب سطحي.
- العدوانية التعبيرية، وهو السلوك الذي يحاول فيه الطفل أو يلفت انتباه أهله لمشكلة لديه.
- العدوانية العدائية: في هذه الحالة أصبحت بحاجة لاستشارة تربوية حيث أن الحالة قد تفاقمت.
في الختام أتمنى أن أكون قد وفقت في تبسيط القصص وتسهيل التعامل مع ما وراء العدوانية عند الأطفال، يمكنك طرح الأسئلة دائماً، وأصبح الآن التعامل مع الطفل العدواني أكثر سهولة.
واقرأ المزيد عن كيفية التعامل مع الطفل العدواني في عمر السنتين.